فصل: 42- كتاب الاستئذان والاَداب عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


42- كتاب الاستئذان والاَداب عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

بلفظ الجمع في أكثر النسخ، والأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل الوقوف مع المستحسنات‏.‏ وقيل هو تعظيم من فوقك والرفق بمن ذو لك، وقيل إنه مأخوذ من المأدبة وهي الدعوة إلى الطعام سمي بذلك لأنه يدعى إليه قاله الحافظ في الفتح‏.‏

1662- باب ما جاءَ في إِفْشَاءِ السّلاَم

2758- حَدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن الأعْمَشِ عن أَبي صالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏وَالّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ حَتّى تُؤمِنُوا وَلاَ تُؤمِنُوا، حَتّى تَحَابّوا‏.‏ أَلاَ أَدُلّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ‏؟‏ أَفْشُوا السّلاَمَ بَيْنَكُمْ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ وَشُرَيْحِ بنِ هَانِئ، عن أَبِيِه وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو وَالبَرَاءِ وَأَنَسٍ وَابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا الجنة‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة عندنا بحذف النون وكذا في عامة نسخ أبي داود‏.‏ قال القاري‏:‏ ولعل الوجه أن النهي قد يراد به النفى كعكسه المشهور عند أهل العلم انتهى‏.‏ ووقع في صحيح مسلم‏:‏ لا تدخلون بإثبات النون وهو الظاهر ‏(‏ولا تؤمنوا‏)‏ بحذف النون في النسخ الحاضرة وكذا في صحيح مسلم‏.‏ قال النووي‏:‏ هكذا هو في جميع الأصول والروايات ولا تؤمنوا بحذف النون من آخره وهي لغة معروفة صحيحة انتهى‏.‏ وقال القاري‏:‏ لعل حذف النون المجانسة والازدواج ‏(‏حتى تحابوا‏)‏ بحذف إحدى التائين وتشديد الموحدة المضمومة‏.‏ قال النووي‏:‏ معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ولا تؤمنوا حتى تحابوا‏"‏‏:‏ أي لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلا بالتحابب وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا فهو على ظاهره وإطلاقه فلا يدخل الجنة إلا من مات مؤمناً وإن لم يكن كامل الإيمان فهذا هو الظاهر من الحديث‏.‏ وقال الشيخ أبو عمرو معنى الحديث لا يكمل إيمانكم إلا بالتحابب ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إذا لم تكونوا كذلك‏.‏ قال النووي وهذا الذي قاله محتمل انتهى ‏(‏أفشوا السلام بينكم‏)‏ بقطع الهمزة المفتوحة من الإفشاء وهو الإظهار، وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف‏.‏ قال الطيبي‏:‏ جعل إفشاء السلام سبباً للمحبة والمحبة سبباً لكمال الإيمان لأن إفشاء السلام سبب للتحابب والتوادد أو هو سبب الإلفة والجمعية بين المسلمين المسبب لكمال الدين وإعلاء كلمة الإسلام، وفي التهاجر والتقاطع التفرقة بين المسلمين وهي سبب لانثلام الدين الوهن في الإسلام انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ الإفشاء الإظهار والمراد نشر السلام بين الناس ليحيوا سنته‏.‏ وأخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن عمر‏:‏ إذا سلمت فأسمع فإنها تحية من عند الله‏.‏ ونقل النووي عن المتولي، أنه قال يكره إذا لقى جماعة أن يخص بعضهم بالسلام لأن القصد بمشروعية السلام تحصيل الألفة وفي التخصيص إيحاش لغير من خص بالسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن سلام وشريح بن هانئ عن أبيه وعبد الله بن عمرو والبراء وأنس وابن عمر‏)‏ أما حديث عبد الله بن سلام فأخرجه الترمذي قبل صفة أبواب الجنة، وأما حديث شريح بن هانئ عن أبيه فأخرجه الطبراني عنه‏:‏ قال يا رسول الله أخبرني بشيء يوجب لي الجنة، قال‏:‏ ‏"‏طيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام‏"‏‏.‏ وأخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه في حديث والحاكم وصححه، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه ولفظ البخاري‏:‏ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير‏؟‏ قال‏:‏ تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‏.‏ وأما حديث البراء فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه الطبراني عنه بإسناد حسن قال‏:‏ كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرق بيننا شجرة فإذا التقينا يسلم بعضنا على بعض‏.‏ وروى البخاري في الأدب المفرد عنه مرفوعاً‏:‏ السلام اسم من اسماء الله وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ سنده حسن‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه‏.‏

1663- باب ما ذُكِرَ في فَضْلِ السّلام

2759- حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، وَالْحُسَيْنُ بنُ مُحمّدٍ الْجُرَيْرِيّ البَلْخِيّ، قالاَ‏:‏ أخبرنا مُحمّدُ بنُ كَثِيرٍ، عن جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ الضّبَعِيّ عن عَوْفٍ عن أَبي رَجَاءٍ عن عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ‏:‏ أَنّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ، قال‏:‏ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عَشْرٌ، ثم جَاءَ آخَرُ فَقَالَ‏:‏ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عِشْرُونَ، ثمّ جَاءَ أَخَرُ فَقَالَ‏:‏ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثَلاَثُونَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عُمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏.‏

وفي البابِ عن أَبي سَعِيدٍ وَعَلِيٍ وسهلِ بنِ حُنَيْفٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏والحسين بن محمد‏)‏ ابن جعفر ‏(‏الجريري‏)‏ قال في هامش النسخة الأحمدية كذا في النسخة الدهلوية بالجيم لكن في نسخة صحيحة بالحاء المهملة وقد سبق الكلام في أنه بالحاء أو بالجيم مصغراً ومكبراً في الباب الذي قبل باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الميزان والدلو ‏(‏أخبرنا محمد بن كثير‏)‏ العبدي البصري ثقة لم يصب من ضعفه من كبار العاشرة ‏(‏عن عوف‏)‏ هو ابن أبي جميلة العبدي الهجري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر‏)‏ أي له عشر حسنات أو كتب أو حصل له أو ثبت عشر أو المكتوب له عشر ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثون‏)‏ أي بكل لفظ عشر حسنات‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ لو زاد المبتدئ ورحمة الله استحب أن يزاد وبركاته فلو زاد وبركاته فهل تشرع الزيادة في الرد وكذا لو زاد المبتدئ على وبركاته هل يشرع له ذلك، أخرج مالك في الموطأ عن ابن عباس قال انتهى السلام إلى البركة وأخرج البيهقي في الشعب من طريق عبد الله بن بابيه قال جاء رجل إلى ابن عمر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال حسبك وبركاته انتهى إلى وبركاته، ومن طريق زهرة بن معبد قال قال عمر انتهى السلام إلى وبركاته ورجاله ثقات، وجاء عن ابن عمر الجواز فأخرج مالك أيضاً في الموطأ عنه أنه زاد في الجواب والغاديات والرائحات، وأخرج البخاري في الأدب المفرد من طريق عمرو بن شعيب عن سالم مولى ابن عمر قال كان ابن عمر يزيد إذا رد السلام فأتيته مرة فقلت السلام عليكم فقال السلام عليكم ورحمة الله ثم أتيته فزدت وبركاته فرد وزادني وطيب صلاته‏.‏ ونقل ابن دقيق العيد عن أبي الوليد بن رشد أنه يؤخذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فحيوا بأحسن منها‏}‏ الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدئ، وأخرج أبو داود من حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه بسند ضعيف نحو حديث عمران، وزاد في آخره‏:‏ ثم جاء آخر وزاد‏:‏ ومغفرته فقال أربعون‏.‏ قال وهكذا تكون الفضائل‏.‏ وأخرج ابن السني في كتابه بسند واه من حديث أنس قال كان رجل يمر فيقول السلام عليك يا رسول الله فيقول له‏:‏ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه، وأخرج البيهقي في الشعب بسند ضعيف أيضاً من حديث زيد بن أرقم‏:‏ كنا إذا سلم علينا النبي صلى الله عليه وسلم قلنا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته‏.‏ وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على وبركاته‏.‏ انتهى ما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي وحسنه كذا في الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف‏)‏ أما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه‏.‏ وأما حديث علي فأخرجه أبو نعيم في عمل يوم وليلة، وأما حديث سهل بن حنيف فأخرجه الطبراني عنه مرفوعاً بسند ضعيف‏:‏ من قال السلام عليكم كتبت له عشر حسنات ومن زاد ورحمة الله كتبت له عشرون حسنة ومن زاد وبركاته كتبت له ثلاثون حسنة‏.‏ ذكره الحافظ في الفتح‏.‏

1664- باب ما جَاءَ في الاسْتِئذَان ثَلاَث

قال النووي‏:‏ أجمع العلماء أن الاستئذان مشروع وتظاهرت به دلائل القرآن والسنة وإجماع الأمة، والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاث فيجمع بين السلام والاستئذان كما صرح به في القرآن، واختلفوا في أنه هل يستحب تقديم السلام ثم الاستئذان أو تقديم الاستئذان ثم السلام، والصحيح الذي جاءت به السنة وقاله المحققون أنه يقدم السلام فيقول السلام عليكم أأدخل، والثاني يقدم الاستئذان، والثالث وهو اختيار الماوردي من أصحابنا إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدم السلام وإلا قدم الاستئذان، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان في تقديم السلام‏.‏ أما إذا استأذن ثلاث فلم يؤذن له وظن أنه لم يسمعه ففيه ثلاث مذاهب أظهرها أنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان والثاني يزيد فيه، والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعده وإن كان بغيره أعاده، فمن قال بالأظهر فحجته قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يعني حديث الباب فلم يؤذن له فليرجع، ومن قال بالثاني حمل الحديث على من علم أو ظن أنه سمعه فلم يأذن انتهى كلام النووي

2760- حَدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا عَبْدُ الاَعْلَى بنُ عَبْد الأَعْلَى عن الجُرَيْرِيّ، عن أَبي نَضْرَةَ، عن أَبي سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ‏.‏ فَقَالَ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ‏؟‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ وَاحِدَةٌ، ثُمّ سَكَتَ سَاعَةً، ثُمّ قَالَ‏:‏ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ‏؟‏ فَقَالَ عُمَرُ ثِنْتَانِ، ثُمّ سَكَتَ سَاعَةً، فَقَالَ‏:‏ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ‏؟‏ فَقَالَ عُمَرُ ثَلاَثٌ، ثُمّ رَجَعَ، فَقَالَ عُمرُ لِلبَوّابِ‏:‏ مَا صَنَعَ‏؟‏ قالَ رَجَعَ، قَالَ عَلَىّ بِهِ‏.‏ فَلَمّا جَاءَهُ قَالَ مَا هَذَا الّذِي صَنَعْتَ، قَالَ السّنّةَ‏.‏ قَالَ السّنّةُ‏؟‏ وَالله لَتَأْتِيَنّي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ أو بَيّنةٍ أَوْ لأَفْعَلَنّ بِكَ، قَالَ فَأَتَانَا وَنَحْنُ رُفْقَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ‏:‏ يَا مَعْشَرَ الانْصَارِ أَلَسْتُمْ أَعْلَمَ النّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الاسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ، فَإِن أَذِنَ لَكَ وَإِلاّ فَارْجِعْ‏؟‏ فَجَعَلَ القَوْمُ يُمَازِحُونَهُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ‏:‏ ثُمّ رَفَعْتُ رَأْسِي إِلَيْهِ فَقَلْتُ مَا أَصَابَكَ فِي هَذَا مِنَ العُقُوبَةِ فَأَنَا شَرِيكُكَ قَالَ فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ مَا كُنْتُ عَلِمْتُ بِهَذَا‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ عَلِيٍ وَأُمّ طَارِقٍ مَوْلاَةِ سَعدٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَالجُرَيْرِيّ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ إِيّاسٍ يُكْنَى أَبَا مَسْعُودٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا غَيْرُهُ أَيْضَاً عن أَبي نَضْرَةَ‏.‏ وَأَبُو نَضْرَةَ العَبْدِيّ اسْمُهُ المُنْذِرُ بنُ مَالِكِ بنِ قُطَعَةَ‏.‏

2761- حدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حدثنا عُمَرُ بنُ يُونُسَ حدثنا عِكْرِمَةَ بنِ عَمّارٍ، حدثني أَبُو زُمَيْلٍ، حدثني ابنُ عَبّاسٍ، حدثني عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ قَالَ‏:‏ ‏"‏اسْتَأْذَنْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً فَأَذِنَ لِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وَأَبُو زُمَيْلٍ اسْمُهُ سِمَاكٌ الْحَنِفيّ، وَإِنمَا أَنْكَرَ عُمَرُ، عِنْدَنَا، عَلَى أَبي مُوسى حيث رَوَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ الاسْتِئْذَانُ ثَلاَثٌ فَإِذا أذِنَ لَكَ وَإِلاّ فَارْجِعْ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثاً فَأَذِنَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ هَذَا الّذِي رَوَاهُ أَبُو مُوسَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ أذِنَ لَكَ وَإِلاّ فَارْجِعْ‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى‏)‏ البصري الساجي بالمهملة أبو محمد وكان يغضب إذا قيل له أبو همام ثقة من الثامنة ‏(‏عن الجريري‏)‏ بضم الجيم مصغراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال عمر واحدة‏)‏ أي هذه استئذانه واحدة ‏(‏ثم سكت‏)‏ أي أبو موسى ‏(‏فقال عمر ثنتان‏)‏ أي هذه مع الأولى ثنتان ‏(‏فقال عمر ثلاث‏)‏ أي هذه مع الأوليين ثلاث، والمقصود أنه عليك أن تقف حتى آذن لك ‏(‏علي به‏)‏ أي ائتوني به ‏(‏ما هذا الذي صنعت‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ما حملك على ما صنعت، والمعنى لم رجعت بعد استئذانك ثلاثاً‏؟‏ ولم لم تقف حتى آذن لك ‏(‏قال‏)‏ أي أبو موسى ‏(‏السنة‏)‏ بالنصب أي اتبعت السنة فيما صنعت ‏(‏قال‏)‏ أي عمر ‏(‏آلسنة‏)‏ أي اتبعث السة‏؟‏ قال الحافظ في رواية عبيد بن حنين عن أبي موسى عند البخاري في الأدب المفرد‏:‏ فقال يا عبد الله أشتد عليك أن تحتبس على بابي‏؟‏ اعلم أن الناس كذلك يشتد عليهم أن يحتبسوا على بابك فقلت بل استأذنت إلى آخره، قال وفي هذه الزيادة دلالة على أن عمر أراد تأديبه لما بلغه أنه قد يحتبس على الناس في حال إمرته‏.‏ وقد كان عمر استخلفه على الكوفة ما كان عمر فيه من الشغل انتهى‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فقال يا أبا موسى ما ردك‏؟‏ كنا في شغل‏.‏ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع ‏(‏والله لتأتيني على هذا ببرهان وبينة‏)‏ المراد بها الشاهد ولو كان واحداً‏.‏ وإنما أمره بذلك ليزداد فيه وثوقاً لا للشك في صدق خبره عنده رضي الله تعالى عنه ‏(‏أو لأفعلن بك‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فقال إن كان هذا شيء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فها وإلا لأجعلنك عظة، وفي رواية أخرى له‏:‏ قال فوالله لأوجعن ظهرك ويطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا ‏(‏قال‏)‏ أي أبو سعيد ‏(‏فأتانا‏)‏ أي أبو موسى ‏(‏ونحن رفقة من الأنصار‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصار فأتانا أبو موسى فزعاً أو مذعوراً ‏(‏فجعل القوم يمازحونه‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ قال فجعلوا يضحكون قال‏:‏ فقلت أتاكم أخوكم المسلم قد أفزع وتضحكون‏؟‏ قال النووي‏)‏ سبب ضحكهم التعجب من فزع أبي موسى وذعره وخوفه من العقوبة مع أنهم قد آمنوا أن يناله عقوبة أو غيرها لقوة حجته وسماعهم ما أنكر عليه من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ‏(‏ما كنت علمت بهذا‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فقام أبو سعيد فقال كنا نؤمر بهذا فقال عمر خفي على هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني عنه الصفق بالأسواق‏.‏ قال النووي قد تعلق بهذا الحديث من يقول لا يحتج بخبر الواحد وزعم أن عمر رضي الله عنه رد حديث أبي موسى هذا لكونه خبر واحد‏.‏ وهذا مذهب باطل وقد أجمع من يعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصروا‏.‏ وأما قول عمر لأبي موسى أقم عليه البينة فليس معناه رد خبر الواحد من حيث هو خبر واحد ولكن خاف عمر مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقول عليه بعض المبتدعين أو الكاذبين أو المنافقين ونحوهم ما لم يقل‏.‏ وإن كل من وقعت له قضية وضع فيها حديثاً على النبي صلى الله عليه وسلم فأراد سد الباب خوفاً من غير أبي موسى لا شكاً في رواية أبي موسى فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل بل أراد زجر غيره بطريقه فإن معبد الله دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان في قلبه مرض أو أراد وضع حديث خاف مثل قضية أبي موسى فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير بقين‏.‏ ومما يدل على أن عمر لم يرد خبر أبي موسى لكونه خبر واحد أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث‏.‏ ومعلوم أن خبر الإثنين خبر واحد‏.‏ وكذا ما زاد حتى يبلغ التوائر فما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد، ومما يؤيده أيضاً ما ذكره مسلم في الرواية الأخيرة من قضية أبي موسى هذه أن أبياً رضي الله عنه قال‏:‏ يا ابن الخطاب فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سبحان الله إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت‏.‏ انتهى كلام النووي‏.‏ قال ابن بطال فيؤخذ منه التثبت في خبر الواحد لما يجوز عليه من السهو وغيره‏.‏ وقد قيل عمر خبر العدل الواحد بمفرده في توريث المرأة من دية زوجها وأخذ الجزية من المجوس إلى غير ذلك لكنه قد يستثبت إذا وقع له ما يقتضي ذلك انتهى‏.‏ وفي الحديث أن العالم التبحر قد يخفي عليه من العلم ما يعلمه من هو دونه ولا يقدح ذلك في وصفه بالعلم والتبحر فيه‏.‏ قال ابن بطال وإذا جاز ذلك على عمر فما ظنك بمن هو دونه‏.‏ وقال الإمام تقي الدين بن دقيق العيد‏:‏ وهذا الحديث يرد على من يغلو من المتلدين إذا استدل عليه بحديث فيقول لو كان صحيحاً لعلمه فلان مثلا فإن ذلك لما خفي عن أكابر الصحابة وجاز عليهم فهو على غيرهم أجوز انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وأم طارق مولاة سعد‏)‏ أما حديث علي فلينظر من أخرجه، وأما حديث أم طارق مولاة سعد فأخرجه الطبراني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذاحديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه ‏(‏اسمه المنذر ابن مالك بن قطعة‏)‏ قال في التقريب بضم القاف وفتح المهملة، وقال في الخلاصة بكسر القاف وسكون المهملة الأولى وكذا ضبطه صاحب مجمع البحار في كتابه المغني‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عكرمة بن عمار‏)‏ العجلي اليمامي أصله من البصرة صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ولم يكن له كتاب من الخامسة ‏(‏حدثني أبو زميل‏)‏ بضم الزاي وفتح الميم مصغراً اسمه سِمَاك بن الوليد الحنفي اليمامي الكوفي ليس به بأس من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً فأذن لي‏)‏ كذا أخرجه الترمذي ههنا مختصراً وأخرجه في تفسير سورة التحريم مطولا وأخرجه الشيخان أيضاً مطولا ‏(‏وإنما أنكر عمر عندنا على أبي موسى حين روى إلخ‏)‏ قال الحافظ وقد استشكل ابن العربي إنكار عمر على أبي موسى حديثه المذكرو مع كونه وقع له مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في حديث ابن عباس الطويل في هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في المشربة فإن فيه أن عمر استأذن مرة بعد مرة فلما لم يؤذن له في الثالثة رجع حتى جاءه الإذن وذلك بين في سياق البخاري قال والجواب عن ذلك أنه لم يقضى فيه بعلمه أو لعله نسي ما كان وقع له، ويؤيده قوله شغلني الصفق بالأسواق‏.‏ قال الحافظ والصورة التي وقعت لعمر ليست مطابقة لما رواه أبو موسى بل استأذن في كل مرة فلم يؤذن له فرجع فلما رجع في الثالثة استدعي فأذن له، ولفظ البخاري الذي أحال عليه ظاهر فيما قلته وقد استوفيت طرقه عند شرح الحديث في أواخر النكاح وليس فيه ما ادعاه انتهى‏.‏

1665- بابُ ما جاءَ كَيْفَ رَدّ السّلام

2762- حَدّثنا إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ نمَيْرٍ، أَخْبَرنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر عن سَعِيدٍ المَقْبُريّ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏دَخَلَ رَجُلٌ المَسْجِدَ وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي نَاحِيةِ المَسْجِدِ فَصَلّى، ثُمّ جَاءَ فَسَلّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وَعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلّ فَإِنّكَ لَمْ تُصَلّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ وَرَوَى يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطّانُ هَذَا عن عُبَيْدِ الله بنِ عُمَر عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ فَقَال عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ ولم يذكر فيه فسلم عليه وقال‏:‏ وعليك‏.‏ قالَ‏:‏ وَحَدِيثُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ أَصَحّ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن منصور‏)‏ الكوسج ‏(‏أخبرنا عبد الله بن نمير‏)‏ الهمداني أبو هشام الكوفي ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن عمر‏)‏ العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دخل رجل‏)‏ هو خلاد بن رافع، وتقدم هذا الحديث مع شرحه في باب وصف الصلاة ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك‏)‏ وفي رواية للشيخين وعليك السلام وفيه أن السنة في رد السلام أن يقول وعليكم السلام بالواو‏.‏ قال النووي‏:‏ اعلم أن ابتداء السلام سنة ورده واجب، فإن كان المسلم جماعة فهو سنة كفاية في حقهم إذا سلم بعضهم حصلت سنة السلام في حق جميعهم، فإن كان المسلم عليه واحداً تعين عليه الرد، وإن كانوا جماعة كان الرد فرض كفاية في حقهم فإذا رد واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، والأفضل أن يبتدي الجميع بالسلام وأن يرد الجميع‏.‏ وعن أبي يوسف أنه لابد أن يرد الجميع، ونقل ابن عبد البر وغيره إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سنة وأن رده فرض، وأقل السلام أن يقول السلام عليكم فإن كان المسلم عليه واحداً فأقله السلام عليك والأفضل أن يقول السلام عليكم ليتناوله وملكيه، وأكمل منه أن يزيد ورحمة الله وأيضاً وبركاته، ولو قال سلام عليكم أجزأه، ويكره أن يقول المبتدئ عليكم السلام فإن قاله استحق الجواب على الصحيح المشهور وقيل لا يستحقه، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى‏.‏ وأما صفة الرد فالأفضل والأكمل أن يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فيأتي بالواو فلو حذفها جاز وكان تاركاً للأفضل، ولو اقتصر على وعليكم السلام أو على عليكم السلام أجزأه، ولو اقتصر على عليكم لم يجزئه بلا خلاف، ولو قال وعليكم بالولو ففي إجزائه وجهان لأصحابنا، قالوا وإذا قال المبتدئ سلام عليكم أو السلام عليكم فقال المجيب مثله سلام عليكم أو السلام عليكم كان جواباً وأجزأه قال الله تعالى قالوا سلاماً قال‏:‏ سلام ولكن بالألف واللام أفضل، وأقل السلام ابتداء ورداً أن يسمع صاحبه ولا يجزئه دون ذلك ويشترط كون الرد على الفور انتهى كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى يحيى بن سعيد القطان هذا الحديث الخ‏)‏ قد تقدم الكلام في هذا في باب وصف الصلاة‏.‏

1666- باب ما جَاءَ فِي تَبْلِيغِ السّلاَم

2763- حَدّثنا عَلِيّ بنُ المُنْذِرِ الكُوفِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عن زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ عن عَامِرٍ الشَعبي، حدثني أَبُو سَلَمَةَ أَنّ عَائِشَةَ حَدّثَتْهُ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ لَهَا‏:‏ إِنّ جِبْرَيلَ يُقْرِئكِ السّلاَمَ، قَالَتْ وَعَلَيْهِ السّلاَمُ وَرَحْمةُ الله وَبَرَكَاتُهُ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن رَجُلٍ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ عن أَبِيِه عن جَدّهِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقَدْ رَوَاهُ الزّهْرِيّ أَيْضاً عن أَبي سَلَمَةَ عن عَائِشَةَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن المنذر الكوفي‏)‏ الطريقي صدوق يتشيع من العاشرة ‏(‏عن زكريا بن أبي زائدة‏)‏ بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي الكوفي ثقة وكان يدلس وسماعه من أبي إسحاق بآخره من السادسة ‏(‏عن عامر‏)‏ هو الشعبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن جبرائيل يقرئك السلام‏)‏ من الإقراء، ففي القاموس قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه أو لا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوباً انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قال النووي في هذا الحديث مشروعية إرسال السلام ويجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة، وتعقب بأنه بالوديعة أشبه، والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الأمانة وإلا فوديعة والودائع إذا لم نقبل لم يلزمه شيء‏.‏ قال وفيه إذا أتاه سلام من شخص أو في ورقة وجب الرد على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ كما أخرج النسائي عن رجل من بني تميم أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سلام أبيه فقال له وعليك وعلى أبيك السلام، وق، تقدم في المناقب أن خديجة لما بلغها النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل سلام الله عليها قالت إن الله هو السلام ومنه السلام وعليك وعلى جبريل السلام، ولم أر في شيء من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أنه غير واجب انتهى ما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده‏)‏ روى أبو داود في سننه قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا إسماعيل عن غالب قال إنا لجلوس بباب الحسن إذ جاء رجل فقال حدثني أبي عن جدي قال بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ائته فاقرأه السلام قال فأتيته فقلت إن أبي يقرئك السلام فقال عليك وعلى أبيك السلام‏.‏ قال المنذري‏:‏ وأخرجه النسائي وقال فيه عن رجل من بني نمير عن أبيه عن جده هذا الإسناد فيه محاصيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان من طريق عامر عن أبي سلمة عن عائشة، ومن طريق الزهري عن أبي سلمة عنها وأخرجه الترمذي أيضاً من هذين الطريقين في فضل عائشة‏.‏

1667- باب ما جَاءَ في فَضْلِ الّذِي يَبدَأُ بِالسّلاَم

2764- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا قُرّانُ بنُ تَمّامٍ الأَسَدِيّ عن أَبي فَرْوَةَ الرّهَاوِيّ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، عن سُلَيْمِ بنِ عَامِرٍ، عن أَبي أُمَامَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قِيلَ يَا رَسُولَ الله الرّجُلاَنِ يَلْتَقِيَانِ أَيّهُمَا يَبْدَأُ بِالسّلاَمِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَوْلاَهُمَا بِالله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسَنٌ‏.‏ قالَ‏:‏ مُحمّدُ أَبُو فَرْوَةَ الرّهَاوِيّ مُقَارِبُ الْحَديثِ إِلاّ أَنّ ابْنَهُ مُحمّدَ بنَ يَزِيدَ يَرْوِيَ عَنْهُ مَنَاكِيرَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا قران‏)‏ بضم أوله بتشديد الراء ‏(‏بن تمام الأسدي‏)‏ الكوفي نزيل بغداد صدوق ربما أخطأ من الثامنة ‏(‏عن سليم بن عامر‏)‏ الكلاعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أولاهما بالله‏)‏ أي أقرب المتلاقيين إلى رحمة الله من بدأ بالسلام وفي رواية أبي داود‏:‏ إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري‏.‏

1668- باب ما جاءَ في كَرَاهِيَةِ إِشَارَةِ اليَدِ بالسّلاَم

2765- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ عن أَبِيهِ عن جَدّهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَيْسَ مِنّا مَنْ تَشَبّهُ بِغَيْرِنَا لاَ تَشَبّهُوا باليَهُودِ وَلاَ بِالنّصَارَى، فَإِنّ تَسْلِيمَ اليَهُودِ الإِشَارَةُ بِالأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَصَارَى الإِشَارَةُ بِالأَكُفّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ‏.‏ وَرَوَى ابنُ المُبَارَكِ هَذَا الْحَدِيثَ عن ابنِ لَهِيعَةَ فَلَمْ يَرْفَعْهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس منا‏)‏ أي من أهل طريقتنا ومراعي متابعتنا ‏(‏من تشبه بغيرنا‏)‏ أي من غير أهل ملتنا ‏(‏لا تشبهوا‏)‏ بحذف إحدى التائين ‏(‏باليهود ولا بالنصاري‏)‏ زيد لا لزيادة التأكيد ‏(‏فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف‏)‏ بفتح فضم جمع كف والمعنى لا تشبهوا بهم جميعاً في جميع أفعالهم خصوصاً في هاتين الخصلتين ولعلهم كانوا يكتفون في السلام أو رده أو فيهما بالإشارتين من نغير نطق بلفظ السلام الذي هو سنة آدم وذريته من الأنبياء والأولياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث إسناده ضعيف‏)‏ لضعف ابن لهيعة قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث في سنده ضعف لكن أخرج النسائي بسند جيد عن جابر رفعه‏:‏ لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف الإشارة‏.‏

فائدة‏:‏

قال النووي لا يرد على هذا ‏(‏يعني حديث جابر هذا‏)‏ حديث أسماء بنت يزيد‏:‏ مر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم فإنه محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة، وقد أخرجه أبو داود من حديثها بلفظ‏:‏ فسلم علينا انتهى‏.‏ والنهي عن السلام بالإشارة مخصوص بمن قدر على اللفظ حساً وشرعاً وإلا فهي مشروعة لمن يكون في شغل يمنعه من التلفظ بجواب السلام كالمصلي والبعيد والأخرس وكذا السلام على الأصم انتهى‏.‏ وحديث أسماء بنت يزيد المذكور يأتي في باب التسليم على النساء‏.‏

1669- باب ما جَاءَ فِي التّسْلِيمِ عَلَى الصّبْيان

قد بوب البخاري أيضاً بلفظ باب التسليم على الصبيان قال الحافظ وكأنه ترجم بذلك للرد على من قال لا يشرع لأن الرد فرض وليس الصبي من أهل القرض، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق أشعث قال الحسن لا يرى التسليم على الصبيان وعن ابن سيرين‏:‏ أنه كان يسلم على الصبيان ولا يسمعهم انتهى

2766- حَدّثنا أَبُو الْخَطّابِ زِيَادُ بنُ يَحْيَى البَصْرِيّ، حدثنا أَبُو غَياث سَهْلُ بنُ حَمّادٍ، حدثنا شُعْبَةُ عن يَسَارٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ البُنَانِيّ فَمَرّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ ثَابِت كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ فَمَرّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ أَنَسٌ‏:‏ كُنْتُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَمَرّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عن ثَابِتٍ، وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَنَسٍ‏.‏

2767- حدّثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ سُليْمَانَ، عن ثَابِتٍ، عن أَنَسٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن سيار‏)‏ قال في التقريب سيار أبو الحكم العنزي وأبوه يكنى أبا سيار واسمه وردان وقيل ورد وقيل غير ذلك وهو أخو مساور الوراق لأمه ثقة وليس هو الذي يروي عن طارق بن شهاب من السادسة‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن ثابت البناني وغيره وعنهم شعبة وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على صبيان‏)‏ بكسر الصاد على المشهور وبضمها ‏(‏فسلم عليهم‏)‏ قال الحافظ وأخرج النسائي حديث الباب من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بأتم من سياقه ولفظه‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار فيسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم ويدعو لهم‏.‏ وهو مشعر بوقوع ذلك منه غير مرة بخلاف سياق الباب حيث قال مر على صبيان فسلم عليهم فإنها تدل على أنها واقعة حال انتهى‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ فيه استحباب السلام على الصبيان المميزين والندب إلى التواضع وبذلى السلام للناس كلهم وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته على العالمين‏.‏ واتفق العلماء على استحباب السلام على الصبيان ولو سلم على رجال وصبيان فرد السلام صبي منهم هل يسقط فرض الرد عن الرجال‏؟‏ ففيه وجهان لأصحابنا‏.‏ أصحهما يسقط ومثله الخلاف في صلاة الجنازة هل يسقط فرضها بصلاة‏؟‏ الصبي الأصح سقوطه ونص عليه الشافعي، ولو سلم صبي على رجل لزم الرجل رد السلام‏.‏ هذا هو الصواب الذي أطبق عليه الجمهور‏.‏ وقال بعض أصحابنا لا يجب وهو ضعيف أو غلط انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

1670- باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ عَلَى النّسَاء

2768- حَدّثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا عَبْدُ الحَمِيدِ بنِ بَهْرَامَ أَنّهُ سَمِعَ شَهْرَ بنَ حَوْشَبٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ أَسْمَاءَ بِنْت يَزيدَ تُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ في المَسْجِدِ يَوْماً وَعُصْبَةٌ مِنَ النّسَاءِ قَعُودٌ فَأَلوَى بِيَدِهِ بِالتَسْلِيمِ وَأَشَارَ عَبْدُ الحَمِيدِ بِيَدِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ قالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ‏:‏ لاَ بَأْس بِحَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِدِ بنِ بَهْرَامَ عن شَهْرٍ بنِ حَوْشَبٍ وَقَالَ مُحمّدُ بن إِسماعيل‏:‏ شَهْرٌ حَسَنٌ الحَدِيثِ وَقَوّى أَمْرَهُ، وَقَالَ‏:‏ إِنّمَا تَكَلَمَ فِيِه ابنُ عَوْنِ، ثُمّ رَوَى عن هِلاَلِ بنِ أَبي زَيْنَبَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ‏.‏

2769- حدّثنا أَبُو دُوَادَ، أخبرنا النّصْرُ بنُ شُمَيْلٍ، عن ابنِ عَوْنٍ، قالَ‏:‏ إِنّ شَهْراً نَزَكُوهُ‏.‏ قالَ أَبُو دَاوُدَ، قالَ النّضْرُ‏:‏ نَزَكُوهُ أَيْ طَعَنُوا فِيِه‏.‏ وإِنما طعنوا فيه لانه ولي امر السلطان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الحميد بن بهرام‏)‏ الفزاري المدائني صدوق من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعصبة‏)‏ بضم العين وسكون الصاد أي جماعة والواو للحال ‏(‏فألوى بيده بالتسليم‏)‏ قال في المجمع‏:‏ ألوى برأسه ولواه أماله من جانب إلى جانب انتهى‏.‏ والمعنى‏:‏ أشار بيده بالتسليم، وهذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإشارة، ويدل على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث وقال في روايته فسلم علينا كما عرفت في الباب المتقدم‏.‏ وقد عقد البخاري في صحيحه باباً بلفظ تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال، وأورد فيه حديثين الأول حديث سهل الذي فيه ذكر تسليم الصحابة رضي الله تعالى عنهم على العجوز التي كانت تقدم إليهم يوم الجمعة طعاماً فيه سلق، والثاني حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام‏.‏

قال الحافظ‏:‏ أشار بهذه الترجمة إلى رد ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير بلغني أنه يكره أن يسلم الرجال على النساء والنساء على الرجال وهو مقطوع أو معضل، والمراد بجوازه أن يكون عند أمن القتنة، وذكر في الباب حديثين يؤخذ الجواز منهما‏:‏ وورد فيه حديث ليس على شرطه وهو حديث أسماء بنت يزيد‏:‏ مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا‏.‏ حسنه الترمذي وليس على شرط البخاري فاكتفى بما هو على شرطه وله شاهد من حديث جابر عند أحمد، وقال الحليمي كان النبي صلى الله عليه وسلم للعصمة مأموناً من الفتنة، فمن وثق من نفسه بالسلامة فليسلم‏.‏ وإلا فالصمت أسلم، وأخرج أبو نعيم في عمل يوم وليلة من حديث واثلة مرفوعاً‏:‏ يسلم الرجال على النساء ولا يسلم النساء على الرجال وسنده واه، ومن حديث عمرو بن حريث، مثله موقوفاً عليه وسنده جيد وثبت في مسلم حديث أم هانئ‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فسلمت عليه انتهى كلام الحافظ‏.‏ وقال النووي‏:‏ إن كن النساء جمعاً سلم عليهن وإن كانت واحدة سلم عليها النساء وزوجها وسيدها ومحرمها سواء أكانت جميلة أو غيرها، وأما الأجنبي فإن كانت عجوزاً لا تشتهي استحب السلام عليها واستحب لها السلام عليه ومن سلم منهما لزم الاَخر رد السلام عليه وإن كانت شابة أو عجوزاً تشتهي لم يسلم عليها الأجنبي ولم تسلم عليه، ومن سلم منهما لم يستحق جواباً ويكره رد جوابه، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور‏.‏ وقال ربيعة‏:‏ لا يسلم الرجال على النساء ولا النساء على الرجال وهذا غلط، وقال الكوفيون‏:‏ لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن فيهن محرم انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارمي وله شاهد من حديث جابر عند أحمد كما عرفت في كلام الحافظ ‏(‏قال محمد‏)‏ يعني البخاري ‏(‏وقوى‏)‏ أي محمد ‏(‏أمره‏)‏ أي جعله قوياً غير ضعيف ‏(‏وقال‏)‏ أي محمد ‏(‏إنما تكلم فيه ابن عون‏)‏ قال النووي هو الإمام الجليل المجمع على جلالته وورعه عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون البصري كان يسمى سيد القراء أي العلماء وأحواله ومناقبه أكثر من أن تحصر ‏(‏ثم روى‏)‏ أي ابن عون ‏(‏عن هلال ابن أبي زينب‏)‏ قال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة في فضل الشهيد وعنه ابن عون‏.‏ قال أبو داود‏:‏ لا أعلم روى عنه غيره وذكره ابن حبان في الثقات انتهى‏.‏ وقال الذهبي في الميزان‏:‏ هلال بن أبي زينب عن شهر بن حوشب قال أحمد بن حنبل تركوه قال لا يعرف تفرد عنه ابن عون له حديث في الشهداء أخرجه أحمد في مسنده عن شهر عن أبي هريرة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو داود‏)‏ اسمه سليمان بن أسلم البلخي المصاحقي ‏(‏إن شهراً نزكوه‏)‏ بفتح النون والزاي ‏(‏تزكوه أي طعنوا فيه‏)‏ وقال مسلم في مقدمة صحيحه بعد ذكر قول ابن عون‏:‏ إن شهراً نزكوه يقول أخذته لسنة الناس تكلموا فيه‏.‏ قال النووي‏:‏ قوله نزكوه هو بالنون والزاي المفتوحتين معناه طعنوا فيه وتكلموا بجرحه فكأنه يقول طعنوه بالنيزك بفتح النون وإسكان المثناة من تحت وفتح الزاي وهو رمح قصير وهذا الذي ذكرته هو الرواية الصحيحة المشهورة وكذا ذكرها من أهل الأدب واللغة والغريب الهروي في غريبه، وحكى القاضي عياض عن كثير من رواة مسلم أنهم رووه تركوه بالتاء والراء وضعفه القاضي وقال الصحيح بالنون والزاي قال وهو الأشبه بسباق الكلام وقال غير القاضي رواية التاء تصحيف وتفسير مسلم يردها ويدل عليه أيضاً أن شهراً ليس متروكاً بل وثقه كثير من كبار الأئمة السلف أو أكثرهم‏.‏

1671- باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَه

2770- حَدّثنا أَبُو حَاتِمٍ الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ مُسْلِمُ بنُ حَاتِمٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيّ عن أَبِيهِ عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ، عن سَعِيدٍ بنِ المُسَيّبِ قالَ‏:‏ قالَ أَنَسٌ‏:‏ ‏"‏قالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَا بُنَيّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلّمَ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو حاتم الأنصاري البصري مسلم بن حاتم‏)‏ صدوق ربما وهم من العاشرة ‏(‏أخبرنا محمد بن عبد الله‏)‏ بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي ثقة من التاسعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي عبد الله بن المثنى وهو صدوق كثير الغلط من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يكون بركة‏)‏ جملة مستأنفة متضمنة للعلة، أي فإنه يكون أي السلام سبب زيادة بركة وكثرة خير ورحمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ فإن قلت كيف صححه الترمذي وفي سنده علي ين زيد بن جدعان وهو ضعيف كما في التقريب‏؟‏ قلت علي بن زيد هذا صدوق عند الترمذي كما في تهذيب التهذيب وغيره‏.‏

1672- باب ما جَاءَ في السّلاَمِ قَبلَ الكَلاَم

2771- حَدّثنا الفَضْلُ بنُ الصّبَاحِ البغدادي، حدثنَا سعِيدُ بنُ زَكَرِيّا، عن عنْبَسةَ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن مُحمّدِ بنِ زَاذَانَ عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِرِ عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏السّلاَمُ قَبْلَ الكلاَمِ‏"‏‏.‏ وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تَدْعُوا أَحَداً إِلَى الطّعَامِ حَتّى يُسَلّمَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ مُنْكَرٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَسَمِعْتُ مُحمداً يَقُولُ عَنْبَسَةُ بنَ عَبْدِ الرحمنِ ضَعِيفٌ في الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ وَمحمدُ بنُ زَاذَانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن زكريا‏)‏ القرشي المائني صدوق لم يكن بالحافظ من التاسعة ‏(‏عن عنبسة بن عبد الرحمن‏)‏ بن عنبسة بن سعيد بن العاص الأموي متروك رماه أبو حاتم بالوضع من الثامنة ‏(‏عن محمد بن زاذان‏)‏ المدني متروك من الخامسة ‏(‏عن محمد بن المنكدر‏)‏ بن عبد الله بن الهدير التيمي المدني ثقة فاضل من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السلام قبل الكلام‏)‏ أي السنة أن يبدأ به قبل الكلام لأن في الابتداء بالسلام إشعاراً بالسلامة وتفاؤلا بها وإيناساً لمن يخاطبه وتبركاً بالابتداء بذكر الله‏.‏ وقال القاري لأنه تحية يبدأ به فيفوت بافتتاح الكلام كتحية المسجد فإنها قبل الجلوس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تدعوا أحداً إلى الطعام‏)‏ أي إلى أكله ‏(‏حتى يسلم‏)‏ فإن السلام تحية الإسلام فما لم يظهر الإنسان شعار الإسلام لا يكرم ولا يقرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه‏)‏ قال الحافظ‏:‏ في التلخيص بعد نقل كلام الترمذي هذا وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع وذكره ابن عدى في ترجمة حفص بن عمر الأيلي وهو متروك بلفظ السلام قبل السؤال من بدأكم بالسؤال فلا تجيبوه انتهى‏.‏

1673- باب ما جَاءَ في التّسْلِيمِ علَى اهْلِ الذِمة

2772- حَدّثنا قُتَيْبَةُ حدثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ عن سُهَيْلٍ بنِ أَبي صَالِحٍ عن أَبيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏لاَ تَبْدَأوا اليَهُودَ وَالنّصَارَى بِالسّلاَمِ وإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُوهُ إِلَى، أَضْيَقِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2773- حدّثنا سَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ المَخْزومِيّ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عَيينة عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ ‏"‏إِنّ رَهْطاً مِنَ اليَهُودِ دَخَلُوا عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا السّامُ عَلَيْكَ، فَقَال النبيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ فَقُلْتُ بل عَلَيْكُمْ السّامُ والّلعْنَةُ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَا عَائِشَةُ إِنّ الله يُحِبّ الرّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلّهِ‏.‏ قَالَتْ عَائِشَةُ‏:‏ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا‏؟‏ قَالَ‏:‏ قَدْ قَلْتُ عَلَيْكُمْ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ أَبي بَصْرَةَ الغِفَارِيّ وَابنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي عَبْدِ الرحْمَنِ الْجُهَنِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ عَائِشَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا تبدأوا اليهود والنصارى‏)‏ قد سبق هذا الحديث في باب التسليم على أهل الكتاب من أبوب السير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏السام عليك‏)‏ معنى السام الموت وألفه عن واو ‏(‏إن الله يحب الرفق‏)‏ أي لين الجانب وأصل الرفق ضد العنف ‏(‏قد قلت عليكم‏)‏ أي فقهاً لهذا المعنى قال النووي في شرح مسلم‏:‏ أتفق العلماء عن الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم فقط أو عليكم وقد جائت الأحاديث التي ذكرها مسلم عليكم وعليكم يإثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بإثباتها، وعلى هذا في معناه وجهان‏:‏ أحدهما أنه على ظاهره فقالوا عليكم الموت فقال وعليكم أيضاً أي نحن وأنتم فيه سواء وكلنا نموت، والثاني أن الواو ههنا للاستئناف لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذم‏.‏ وأما من حذف الواو فتقديره بل عليكم السام، قال القاضي‏:‏ اختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو لئلا يقتضي التشريك، وقال غيره بإثباتها كما هو في أكثر الروايات‏.‏ قال وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ عامة المحدثين يروون هذا الحرف وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو، قال الخطابي‏:‏ وهذا هو الأصوب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردوداً عليهم خاصة وإذا أثبت الواو اقتضى المشاركة معهم فيما قالوه‏.‏ هذا كلام الخطابي والصواب أن إثبات الواو وحذفها جائزان كما صحت به الروايات وأن الواو أجود كما هو في أكثر الروايات ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم ولا ضرر في قوله بالواو‏.‏ واختلف العلماء في رد السلام على الكفار وابتدائهم به‏.‏ فمذهبنا تحريم ابتدائهم به ووجوب رده عليهم بأن يقول وعليكم أو عليكم فقط، ودليلنا في الابتداء قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وفي الرد قوله صلى الله عليه وسلم فقولوا وعليكم، وبهذا الذي ذكرناه عن مذهبنا قال أكثر العلماء وعامة السلف وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام، روى ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن أبي محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا‏.‏ حكاه الماوردي لكنه قال يقول السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث بإفشاء السلام وهي حجة باطلة لأنه عام مخصوص بحديث لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بصرة الغفاري وابن عمر وأنس وأبي عبد الرحمن الجهني‏)‏ أما حديث أبي بصرة الغفاري فأخرجه النسائي، وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في باب التسليم على أهل الكتاب، وأما حديث أنس فأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه، وأما حديث أبي عبد الرحمن الجهني فأخرجه ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عائشة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه‏.‏

1674- باب مَا جَاءَ في السّلاَمِ عَلى مَجْلِسِ فِيهِ المسْلِمُونَ وَغيْرِهْم

2774- حَدّثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى، حدثنا عَبْدُ الرّزَاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ أَنّ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ بِمَجْلِسٍ وَفِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏مر بمجلس فيه أخلاط‏)‏ بفتح الهمزة جمع خلط‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الخلط بالكسر كل ما خالط الشيء ومن الثمر المختلط من أنواع شتى وجمعه أخلاط انتهى‏.‏ والمراد هنا المختلطون ‏(‏من المسلمين واليهود‏)‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود ‏(‏فسلم عليهم‏)‏ قال النووي‏:‏ السنة إذا مر بمجلس فيه مسلم وكافر أن يسلم بلفظ التعميم ويقصد به المسلم‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ ومثله إذا مر بمجلس يجمع أهل السنة والبدعة، وبمجلس فيه عدول وظلمة وبمجلس فيه محب ومبغض‏.‏ ذكره الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان مطولا‏.‏

1675- باب مَا جَاءَ فِي تَسْلِيمِ الرّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي

2775- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى وَ إِبْرَاهِيمُ بنُ يَعْقُوبَ، قَالاَ‏:‏ حدثنَا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ عن حَبِيبِ بنِ الشّهِيدِ، عن الْحَسَنِ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يُسَلّمُ الرّاكِبُ عَلَى المَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى القَاعِدِ وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ‏.‏ وَزَادَ ابنُ المُثَنّى في حَدِيثِهِ‏:‏ وَيُسَلّم الصّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ‏"‏ وفي البابِ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ شِبْلٍ وَفَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ وَجَابِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ قَدْ رُوِى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَقَالَ أَيّوبُ السّخْتِيَانِيّ وَيُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ، وعَلِيّ بنُ زَيْدٍ إِنّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

2776- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عن هَمّامِ بنِ مُنَبّهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يُسَلّمُ الصّغِيرُ عَلَى الكَبِيرِ وَالمَارّ عَلَى القَاعِدِ وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2777- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الله، حدثنَا حَيْوَةَ بنُ شُرَيْحٍ، أخبرني أَبُو هَانِئ اسمه حميد بن هانئ الخَوْلاَنِيّ عن أَبي عَلِيّ الْجَنْبِيّ عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏يُسَلّمُ الْفَارِسُ عَلَى المَاشِي، وَالمَاشِي عَلَى الْقَائِمِ، وَالقَلِيلُ عَلَى الكَثِيرِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو عَلِيٍ الْجَنْبِيّ اسْمُهُ عَمْرُو بنُ مَالِكٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏يسلم الراكب على الماشي الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قد تكلم العلماء على الحكمة فيمن شرع لهم الابتداء فقال ابن بطال عن المهلب تسليم الصغير لأجل حق الكبير لأنه أمر بتوقيره والتواضع له، وتسليم القليل لأجل حق الكثير لأن حقهم أعظم، وتسليم المار شبهه بالداخل على أهل المنزل، وتسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ حاصل ما في هذا الحديث أن الفضول بنوع ما يبدأ الفاضل‏.‏ وقال المازري‏:‏ أما أمر الراكب فلأن له مزية على الماشي فعوض الماشي بأن يبدأه الراكب بالسلام أحتياطاً على الراكب من الزهو أن لو حاز الفضيلتين، وأما الماشي فلما يتوقع القاعد منه من الشر ولا سيما إذا كان راكباً فإذا ابتدأ بالسلام أمن منه ذلك وأنس إليه، أو لأن في التصرف في الحاجات امتهاناً فصار للقاعد مزية فأمر بالابتداء أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم فسقطت البداءة عنه للمشقة بخلاف المار فلا مشقة عليه، وأما القليل فلفضيلة الجماعة أو لأن الجماعة لو ابتدأوا لخيف على الواحد الزهو فاحتيط له ولم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم وكأنه لمراعاة السن فإنه معتبر في أمور كثيرة في الشرع فلو تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر أعلم مثلاً فيه نظر ولم أر فيه نقلاً والذي يظهر اعتبار السن لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز‏.‏ ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن محل الأمر في تسليم الصغير على الكبير إذا التقيا فإن كان أحدهما راكباً والاَخر ماشياً بدأ الراكب، وإن كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير انتهى ما في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الرحمن بن شبل وفضالة بن عبيد وجابر‏)‏ أما حديث عبد الرحمن بن شبل فأخرجه عبد الرزاق وأحمد بسند صحيح بلفظ‏:‏ يسلم الراكب على الراجل والراجل على الجالس والأقل على الأكثر فمن أجاب كان له ومن لم يجب فلا شيء له كذا في الفتح، وأما حديث فضالة بن عبيد فأخرجه الترمذي في هذا الباب، وأما حديث جابر فلينظر من أخرجه ‏(‏هذا حديث قد روى من غير وجه عن أبي هريرة‏)‏ حديث أبي هريرة هذا أخرجه الشيخان من غير طريق الترمذي ‏(‏وقال أيوب السختياني الخ‏)‏ فحديث أبي هريرة من هذا الطريق منقطع‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي علي الجنبي‏)‏ بفتح الجيم وسكون النون بعدها موحدة اسمه عمرو بن مالك الهمداني المرادي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والماشي على القائم‏)‏ الظاهر أن المراد بالقائم المستقر في مكانه سواء كان جالساً أو واقفاً أو مضطجعاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن حبان في صحيحه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏والقليل على الكثير‏)‏ قال النووي هذا الأدب إنما هو فيما إذا تلاقى اثنان في طريق، أما إذا ورد على قعود أو قاعد فإن لوارد يبدأ بالسلام بكل حال سواء كان صغيراً أو كبيراً‏.‏ قليلا أو كثيراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود‏.‏

1676- باب مَا جَاءَ في التّسْلِيمِ عِنْد القِيَامِ وَعِندَ القُعُود

2778- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا الّليثُ، عن ابنِ عَجْلاَنَ، عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلّمْ، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ، ثمّ إِذَا قَامَ فَلَيُسَلّمْ فَلَيْسَتْ الأُولَى بِأَحَقّ مِنَ الاَخِرَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هذَا الْحَدِيثُ أَيضاً عن ابنِ عَجْلاَنَ عن سعِيدِ المَقْبُرِيّ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إذا انتهى‏)‏ أي جاء ووصل ‏(‏فإن بدا‏)‏ بالألف أي ظهر ‏(‏ثم إذا قام‏)‏ أي بعد أن يجلس والظاهر أن المراد به أنه إذا أراد أن ينصرف ولو لم يجلس ‏(‏فليست الأولى‏)‏ أي التسليمة الأولى ‏(‏بأحق‏)‏ أي بأولى وأليق ‏(‏من الاَخرة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أي كما أن التسليمة الأولى إخبار عن سلامتهم من شره عند الحضور فكذلك الثانية إخبار عن سلامتهم من شره عند العيبة، وليست السلامة عند الحضور أولى من السلامة عند الغيبة بل الثانية أولى انتهى‏.‏ قال النووي‏:‏ ظاهر هذا الحديث يدل على أنه يجب على الجماعة رد السلام على الذي يسلم على الجماعة عند المفارقة‏.‏ قال القاضي حسين وأبو سعيد المتولي‏:‏ جرت عادة بعض الناس بالسلام عند المفارقة وذلك دعاء يستحب جوابه ولا يجب لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف وأنكره الشاشي وقال‏:‏ إن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند اللقاء فكما يجب الرد عند اللقاء كذلك عند الانصراف‏.‏ وهذا هو الصحيح انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم ‏(‏وقد روي هذا الحديث عن ابن عجلان أيضاً عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أخرجه النسائي من هذا الطريق ومن الطريق السابق أيضاً كما صرح به المنذري في تلخيص السنن‏.‏ وقال الترمذي‏:‏ في باب وصف الصلاة‏:‏ وسعيد المقبري قد سمع من أبي هريرة وروى عن أبيه عن أبي هريرة‏.‏

1677- باب مَا جَاءَ في الاسْتِئْذَان قُبَالَةَ البَيت

قال في القاموس‏:‏ قبالته بالضم تجاهه والظاهر أن مقصود الترمذي بهذا الباب أنه لا ينبغي المستأذن أن يقوم تجاه الباب للاستئذان بل يقوم في أحد جانبيه كما روى أحمد في مسنده عن عبد الله بن يسر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء الباب يستأذن لم يستقبلهم يقول يمشي مع الحائط حتى يستأذن فيؤذن له أو ينصرف

2779- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا ابنُ لَهِيعَةَ عن عُبَيْدِ الله بنِ أَبي جَعْفَرٍ، عن أَبي عَبْدِ الرحمنِ الْحُبُلِيّ عن أَبي ذَرٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ كَشَفَ سِتْراً فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ في البَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤذَنَ لَهُ فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِهِ، فَقَدْ أَتَى حَدّاً لاَ يَحِلُ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ‏:‏ لَوْ أَنّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ اسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ فَفَقَأَ عَيْنَيْهِ مَا غَيرَتْ عَلَيْهِ، وَإنْ مَرّ رَجُلٌ عَلَى بَابٍ لاَسِتْرَ لَهُ غَيْرَ مُغْلَقٍ فَنَظَرَ فَلاَ خَطِيئَةَ عَلَيْهِ، إِنّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ البَيْتِ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهِيعَةَ‏.‏ وَأَبُو عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحُبُلِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن أبي جعفر‏)‏ المصري أبي بكر الفقيه مولى بني كتانة أو أمية قيل اسم أبيه يسار ثقة‏.‏ وقيل عن أحمد إنه لينه وكان فقيهاً عابداً، قال أبو حاتم‏:‏ هو مثل يزيد بن حبيب من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كشف‏)‏ أي رفع وأزال ‏(‏ستراً‏)‏ بكسر أوله أي ستارة وحاجزاً ‏(‏فأدخل بصره في البيت قبل أن يؤذن له‏)‏ أي في الكشف والدخول ‏(‏فرأى عورة أهل البيت‏)‏ وهي كل ما يستحق منه إذا ظهر ‏(‏فقد أتى حداً‏)‏ أي فعل شيئاً يوجب الحد أي التعزير ‏(‏لا يحل له أن يأتيه‏)‏ استئناف متضمن للعلة أو معناه أتى أمراً لا يحل له أن يأتيه وإليه ينظر قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه‏}‏ ويؤيده قوله ‏(‏لو أنه حين أدخل بصره فاستقبله رجل‏)‏ أي من أهل البيت ‏(‏ففقاً‏)‏ قال في القاموس‏:‏ فقأ العين كمنع كسرها أو قلعها أو بحقها ‏(‏عينيه‏)‏ وفي بعض النسخ عينه بالإفراد ‏(‏ما عبرت عليه‏)‏ أي ما نسبته إلى العيب قال الطيبي‏:‏ يحتمل أن يراد به العقوبة المانعة عن إعادة الجاني‏.‏ فالمعنى فقد أتى موجب حد على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كما ذهب إليه الأشرف والمظهر وإن يراد به الحاجز بين الموضعين كالحمى، فقوله لا يحل صفة فارقة تخصص الاحتمال الثاني بالمراد ويدل عليه إيقاع قوله ‏(‏وإن مر رجل على باب لا ستر له‏)‏ مقابلاً لقوله من كشف ستراً إلخ ‏(‏غير مغلق‏)‏ بفتح اللام أي غير مردود وغير منصوب على الحالية وقيل مجرور على أنه صفة باب ‏(‏فنظر‏)‏ أي من غير قصد ‏(‏فلا خطيئة عليه إنما الخطيئة على أهل البيت‏)‏ فيه أن أحد الأمرين واجب إما الستر وإما الغلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أمامة‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏ ولفظ البخاري قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو أن امراً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح، وأْما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد وفيه‏:‏ ولا يدخل عينيه بيتاً حتى يستأذن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه أحمد ورواته رواة الصحيح إلا ابن لهيمة، ورواه الترمذي وقال حديث غريب الخ‏.‏

1678- باب مَنْ اطّلَع في دَارِ قَوْم بِغَيْرِ إِذْنِهِم

2780- حَدّثنا محمد بن بشار، حدثنا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ عن حُمَيْدٍ عن أَنَسٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ في بَيْتِهِ فَاطّلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَأَهْوَى إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ فَتَأَخّرَ الرّجُلُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2781- حدّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنَا سُفْيَانُ عن الزّهْرِيّ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ أَنّ رَجُلاً اطّلَعَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ جُحْرٍ في حُجْرَةِ رَسُولّ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مِدرَاةُ يَحُكّ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ عَلِمْتُ أَنّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا في عَيْنِكَ‏.‏ إِنّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته فاطلع عليه رجل‏)‏ وفي رواية للبخاري أن رجلا أطلع في جحر في بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فأهوى إليه بمشقص‏)‏ قال في النهاية أهوى بيده إليه أي مدها نحوه وأمالها إليه انتهى‏.‏ والمشقص بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض، وفي رواية للبخاري‏:‏ فقام إليه بمشقص أو مشاقص وجعل بختله ليطعنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلا أطلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جحر‏)‏ بضم الجيم وسكون المهملة وهو كل ثقب مستدير في أرض أو حائط، وأصلها مكامن الوحش ‏(‏في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ بضم الحاء المهملة وسكون الجيم ‏(‏ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدراة‏)‏ وفي رواية الشيخين مدري، قال الحافظ المدري بكسر الميم وسكون المهملة‏:‏ عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض وهو يشبه المسلة يقال مدرت المرأة سرحت شعرها، وقيل مشط له أسنان يسيرة‏.‏ وقال الأصمعي وأبو عبيد هو المشط، وقال الجوهري أصل المدري القرن‏.‏ كذلك المدراة، وقيل هو عود أو حديدة كما كالخلال لها رأس محدد، وقيل خشبة على شكل شيء من أسنان المشط ولها ساعد جرت عادة الكبير أن يحك بها ما لا تصل إليه يده من جسده ويسرح بها الشعر الملبد من لا يحضره المشط، وقد ورد في حديث لعائشة ما يدل على أن المدري غير المشط أخرجه الخطيب في الكفاية عنها‏.‏ قالت خمس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن في سفر ولا حضر المرأة والمكحلة والمشط المدري والسواك، وفي إسناده أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف‏.‏ وأخرجه ابن عدي من وجه آخر ضعيف أيضاً، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين من وجه آخر عن عائشة أقوى من هذا، لكن فيه قارورة دهن بدل المدري ‏(‏يحك‏)‏ بصيغة الفاعل ‏(‏بها‏)‏ أي بالمدراة ‏(‏لو علمت‏)‏ أي يقيناً ‏(‏أنك تنظر‏)‏ أي قصداً وعمداً ‏(‏لطعنت بها في عينك‏)‏ قال الطيبي‏:‏ دل على أن الاطلاع مع غير قصد النظر لا يترتب عليه الحكم كالمار ‏(‏إنما جعل‏)‏ أي شرع ‏(‏الاستيذان من أجل البصر‏)‏ قال النووي‏:‏ معناه أن الاستئذان مشروع ومأمور به وإنما جعل لئلا يقع البصر على الحرم فلا يحل لأحد أن ينظر في جحر باب ولا حفيرة مما هو متعرض فيه لوقوع بصره على امرأة أجنبية انتهى‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويؤخذ منه أنه يشرع الاستئذان على كل أحد حتى المحارم لئلا تكون منكشفة العورة‏.‏ وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن نافع‏:‏ كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلا بإذن، ومن طريق علقمة‏:‏ جاء رجل إلى ابن مسعود فقال أستأذن على أمي‏؟‏ فقال ما على كل أحيانها تريد أن تراها، ومن طريق مسلم بن نذير‏:‏ سأل رجل حذيفة أستأذن على أمي‏؟‏ قال إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره، ومن طريق موسى بن طلحة دخلت مع أبي علي أي فدخل واتبعته فدفع في صدري وقال تدخل بغير إذن‏؟‏ ومن طريق عطاء‏:‏ سألت ابن عباس أستأذن على أختي‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قلت‏:‏ إنها في حجري، قال‏:‏ أتحب أن تراها عريانة‏؟‏ وأسانيد هذه الآثار كلها صحيحة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ لعله أشار إلى حديثه الذي أشار إليه في الباب المتقدم وقد ذكرنا لفظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وغيرهما‏.‏

1679- باب مَا جَاءَ في التّسْلِيمِ قَبْلَ الاسْتِئْذَان

2782- حَدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا رَوْحُ بن عُبَادَةَ عن ابنِ جُرَيْجٍ قالَ أخبرني عَمْرُو بنُ أَبي سُفْيَانَ أَنّ عَمْرو بنَ عَبْدِ الله بنِ صَفْوَانَ أخبره أَنْ كلَدَةَ بنَ حَنْبَلٍ اخبره‏:‏ ‏"‏انّ صَفْوَانَ بنَ أُمَيّةَ بَعَثَهُ بِلَبَنٍ وَلِبَاءٍ وَضَغَابِيسَ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وَالنبيّ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى الْوَادِي، قالَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَسْتَأْذِنْ، وَلَمْ أُسَلّمْ، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ارْجِعْ فَقُلْ السّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ‏؟‏ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ صَفْوَانُ‏.‏ قال عَمْرُو‏:‏ وَأخبرني بِهَذَا الحديثِ أُمَيّةُ بنُ صَفْوَانَ‏.‏ وَلَمْ يَقُلْ سَمِعْتُهُ مِنْ كِلْدَةَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ جُرَيْجٍ‏.‏ وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ أَيْضاً عن ابنِ جُرَيْجٍ مِثْلَ هَذَا وضَغَابِيس‏:‏ هو حشيشٌ يُؤكل‏.‏

2783- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، انبانا شُعْبَةُ، عن مُحمّدِ بنِ المُنْكَدِر، عن جَابِرٍ قالَ‏:‏ ‏"‏اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم في دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبي، فَقَالَ مَنْ هَذَا‏؟‏ فَقُلْتُ أَنَا، فَقَالَ أَنَا أَنَا‏.‏‏.‏‏؟‏ كأنّهُ كَرِهَ ذَلِكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عمرو بن أبي سفيان‏)‏ بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي ثقة من الخامسة روى عن أمية بن صفوان وابن عم أبيه عمرو بن عبد الله بن صفوان وغيرهما وعنه أخوه حنظلة وابن جريج وغيرهما ‏(‏أن عمرو بن عبد الله بن صفوان‏)‏ بن أمية بن خلف الجمحي المكي صدوق شريف من الرابعة ‏(‏أن كلدة‏)‏ بكاف ولام مفتوحتين ‏(‏بن حنبل‏)‏ بفتح المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة‏.‏ قال في التقريب‏:‏ كلدة بن الحنبل ويقال ابن عبد الله بن الحنبل الجمحي المكي صحابي له حديث وهو أخو صفوان بن أمية لأمه انتهى‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الاستئذان والسلام وعنه أمية ابن صفوان بن أمية وعمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية انتهى ‏(‏أن صفوان بن أمية‏)‏ بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمع القرشي الجمحي كنيته أو وهب وقيل أبو أمية قتل أبوه يوم بدر كافراً وأسلم هو بعد الفتح وكان من المؤلفة وشهد اليرموك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه أولاده أمية وعبد الله وعبد الرحمن وغيرهم ‏(‏بعثه‏)‏ أي أرسله زاد أحمد في روايته في الفتح ‏(‏ولبإٍ‏)‏ كعنب وهو أول ما يحلب عند الولادة كذا في النهاية ‏(‏وضغابيس‏)‏ جمع ضغبوس بالضم وهي صغار القثاء، وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق بالخل والزيت ويؤكل كذا في النهاية ‏(‏والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي‏)‏ وفي رواية أبي داود بأعلى مكة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمرو‏)‏ أي ابن أبي سفيان ‏(‏وأخبرني بهذا الحديث أمية بن صفوان‏)‏ بن أمية بن خلف الجمحي المكي مقبول من الرابعة ‏(‏ولم يقل سمعته من كلدة‏)‏ أي لم يذكر لفظ الإخبار‏.‏ وقال أبو داود في سننه بعد رواية هذا الحديث ما لفظه‏:‏ قال عمرو وأخبرني ابن صفوان بهذا أجمع عن كلدة بن الحنبل ولم يقل سمعته منه انتهى‏.‏

والحاصل‏:‏ أن عمرو بن أبي سفيان روى هذا الحديث عن شيخين له أحدهما عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية وثانيهما أمية بن صفوان ابن أمية وكلاهما روياه عن كلدة لكن الأول روى عنه بلفظ الإخبار والثاني بلفظ عن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ في حديث جابر مشروعية دق الباب ولم يقع في الحديث بيان هل كان بآلة أو بغير آلة قال الحافظ وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس أن أبواب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافير، وأخرجه الحاكم في علوم الحديث من حديث المغيرة بن شعبة وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب وهو حسن لمن قرب محله من بابه، أما من بعد عن الباب بحيث لا يبلغه صوت القرع بالظفر فيستحب أن يقرع بما فوق ذلك بحسبه‏.‏ وذكر السهيلي أن السبب في قرعهم بابه بالأظافير أن بابه لم يكن فيه حلق فلأجل ذلك فعله، والذي يظهر أنه إنما كانوا يفعلون ذلك توقيراً وإجلالا وأدباً انتهى‏.‏ ‏(‏فقال من هذا‏)‏ أي الذي يستأذن ‏(‏فقال أنا أنا‏)‏ إنكار عليه أي قولك أنا مكروه فلا تعد، وأنا الثاني تأكيد للأول‏.‏ قاله الطيبي ويمكن أن يكون معنى قوله أنا أنا إن كلمة أنا عامة كما تصدق عليك تصدق علي أيضاً فلا تغني عن سؤال السائل‏.‏ قال النووي قال العلماء‏:‏ إذا استأذن أحد فقيل له من أنت أو من هذا كره أن يقول أنا لهذا الحديث‏.‏ ولأنه لم يحصل بقوله أنا فائدة ولا زيادة بل الإبهام باق بل ينبغي أن يقول فلان باسمه‏.‏ وإن قال أنا فلان فلا بأس كما قالت أم هانئ حين استأذنت فقال النبي صلى الله عليه وسلم من هذه‏؟‏ فقالت أنا أم هانئ ولا بأس بقوله أنا أبو فلان أو القاضي فلان أو الشيخ فلان إذا لم يحصل التعريف بالاسم لخفائه‏.‏ والأحسن في هذا أن يقول أنا فلان المعروف بكذا انتهى ‏(‏كأنهك أي قوله أنا في جواب من هذا لأنه ليس فيه بيان إلا إن كان المستأذن ممن يعرف المستأذن عليه صوته ولا يلتبس بغيره والغالب الالتباس قاله المهلب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه‏.‏

1680- باب ما جَاءَ في كَرَاهِيَةِ طرُوقِ الرّجُلِ أَهْلَهُ لَيْلا

2784- أخبرنا أَحْمَدُ بنُ مَنيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، عن نُبَيْحٍ العَنَزِيّ عن جَابِرٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ أَنْ يَطْرُقُوا النّسَاءَ لَيْلاً‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن أَنَسٍ وابنِ عُمَرَ وابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عن ابنِ عَبّاسٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَهَاهُمْ أَن يَطْرُقُوا النّسَاءَ لَيْلاً‏.‏ قالَ فَطَرَقَ رَجُلاَنِ بَعْدَ نَهْىِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ كلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً‏"‏‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏نهاهم أن يطرقوا‏)‏ من باب نصر ينصر، قال الحافظ في الفتح‏:‏ قال أهل اللغة الطروق بالضم المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة، ويقال لكل آت بالليل طارق ولا يقال بالنهار إلا مجازاً، وقال بعض أهل اللغة‏:‏ أصل الطروق الدفع والضرب وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدقها بأرجلها، وسمي الاَتي بالليل طارقاً لأنه يحتاج غالباً إلى دق الباب‏.‏ وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمي الاَتي فيه طارقاً انتهى‏.‏ وقد روي هذا الحديث عن جابر بألفاظ فروى مسلم من طريق سيار عن عامر عنه بلفظ إذا قدم أحدكم ليلاً فلا يأتين أهله طروقاً حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة‏.‏ ومن طريق عاصم عن الشعبي عنه بلفظ‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطال الرجل الغيبة أن يأتي أهله طروقاً، ومن طريق سفيان عن محارب عنه بلفظ‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخونهم أو يطلب عثراتهم‏:‏ قال النووي‏:‏ معنى هذه الروايات كلها أنه يكره لمن طال سفره، أن يقدم على امرأته ليلاً بغتة فأما من كان سفره قريباً تتوقع امرأته إتيانه ليلاً فلا بأس كما قال في إحدى هذه الروايات إذا أطال الرجل الغيبة وإذا كان في قفل عظيم أو عسكر ونحوهم واشتهر قدومهم ووصولهم وعلمت امرأته وأهله أنه قادم معهم وأنهم الاَن داخلون، فلا بأس بقدومه متى شاء لزوال المعنى الذي نهي بسببه، فإن المراد أن يتأهبوا وقد حصل ذلك ولم يقدم بغتة، ويؤيد ما ذكرناه ما جاء في الحديث الاَخر‏:‏ ‏"‏أمهلوا حتى ندخل ليلاً أي عشاء كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة‏"‏ فهذا تصريح فيما قلناه وهو مفروض في أنهم أرادوا الدخول في أوائل النهار بغنة فأمرهم بالصبر إلى آخر النهار ليبلغ خبر قدومهم إلى المدينة وتتأهب النساء وغيرهن، انتهى كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس وابن عمر وابن عباس‏)‏ أما حديث أنس فأخرجه أحمد والشيخان والنسائي، وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن خزيمة في صحيحه، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضاً ابن خزيمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يطرقوا النساء ليلاً قال فطرق رجلان الخ‏)‏ رواه ابن خزيمة ورواه عن ابن عمر أيضاً كما في الفتح‏.‏

1681- باب ما جَاءَ في تَتْرِيبِ الكِتَاب

2785- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنِ، حدثنَا شَبَابَةُ عن حَمْزَةَ، عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ كِتَاباً فلْيُتَرّبْهُ فَإِنّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ مُنْكَرٌ لاَ نَعْرِفُهُ عن أَبي الزّبَيْرِ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏ قالَ‏:‏ وَحَمْزَةُ هُوَ عندي ابنُ عَمْرٍو النّصَيْبِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ في الحدِيثِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن حمزة‏)‏ بن أبي حمزة الجعفي الجزري النصيبي واسم أبيه ميمون وقيل عمرو، متروك منهم بالوضع من السابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليتربه‏)‏ بتشديد الراء من التتريب ويجوز أن يكون من الإتراب قال في المجمع‏:‏ أي ليسقطه على التراب اعتماداً على الحق تعالى في إيصاله إلى المقصد أو أراد ذو التراب على المكتوب أو ليخاطب الكاتب خطاباً على غاية التواضع أقوال انتهى‏.‏ وقال المظهر‏:‏ قيل معناه فليخاطب خطاباً على غاية التواضع، والمراد بالتتريب المبالغة في التواضع في الخطاب، قال القاري‏:‏ هذا موافق لمتعارف الزمان لا سيما فيما بين أرباب الدنيا وأصحاب الجاه، لكنه مع بعد مأخذ هذا المعنى من المبنى مخالف لمكاتبته صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وكذا إلى الأصحاب انتهى‏.‏ قيل ويمكن أن يكون الغرض من التتريب تجفيف بلة المداد صيانة عن طمس الكتابة، ولا شك أن بقاء الكتابة على حالها أنجح للحاجة وطموسها مخل للمقصود، قلت‏:‏ قول من قال إن المراد بتتريب الكتاب ذو التراب عليه للتجفيف هو المعتمد‏.‏ قال في القاموس‏:‏ أتربه جعل عليه التراب انتهى‏.‏ وقال في النهاية يقال أتربت الشيء إذا جعلت عليه التراب ‏(‏فإنه نجح للحاجة‏)‏ بتقديم الجيم على الحاء أي أقرب لقضاء مطلوبه وتيسر مأربه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث منكر‏)‏ لأن في سنده حمزة بن أبي حمزة النصيبي وهو متروك متهم بالوضع كما عرفت، والحديث قد أخرجه أيضاً ابن ماجه من طريق بقية عن أبي أحمد الدمشقي عن أبي الزبير عن جابر ولفظه‏:‏ تربوا صحفكم أتجح لها إن التراب مبارك‏.‏ وأبو أحمد الدمشقي مجهول‏.‏ وفي الباب عن أبي الدرداء أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ‏:‏ إذا كتب أحدكم إلى إنسان فليبدأ بنفسه، وإذا كتب فليترب كتابه فهو أنجح‏.‏ قال المناوي‏:‏ وهو ضعيف كما بينه الهيثمي ‏(‏وحمزة هو ابن عمرو النصيبي الخ‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال المزي‏:‏ لا نعلم أحداً قال فيه حمزة ابن عمرو إلا الترمذي‏.‏ وكأنه اشتبه عليه بحماد بن عمرو النصيبي وقد ذكره العقيلي فقال حمزة بن أبي حمزة النصيبي وهو حمزة بن ميمون ثم ساق له الحديث الذي أخرحه الترمذي انتهى‏.‏ وقال في التقريب في ترجمته‏)‏‏:‏ واسم أبيه ميمون وقيل عمر وكما عرفت آنفاً‏.‏

1682- باب

2786- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ الْحَارِثِ، عن عَنْبَسَةَ عن مُحمَدِ بنِ زَاذَانَ، عن أُمّ سَعْدٍ، عن زَيْدِ بنِ ثَابِتٍ قالَ‏:‏ ‏"‏دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَاتِبٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ ضَعِ القَلَمَ عَلَى أُذُنِكَ فَإِنّهُ أَذْكَرُ لِلْمُمْلي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ‏.‏ ومُحمّدُ بنُ زَاذَانَ وَعَنْبَسَةُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ يُضَعّفَانِ في الحديثِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن الحارث‏)‏ بن عبد الملك المخزومي أبو محمد المكي ثقة من الثامنة، ووقع في النسخة الأحمدية عبيد الله بن الحارث بالتصغير وهو غلط ‏(‏عن أم سعد‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب‏:‏ أم سعد قيل إنها بنت زيد بن ثابت، وقيل امرأته، وقيل إنها من المهاجرات روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زيد بن ثابت وعائشة، روى حديثها عنبسة بن عبد الرحمن أحد المتروكين عن محمد بن زاذان عنها، وقيل عن محمد بن وردان عن عبد الله ابن خارجة عنها، انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسمعته‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏يقول‏)‏ أي له ‏(‏ضع القلم على أذنك‏)‏ بضم الذال ويسكن أي فوق أذنك معتمداً عليها ‏(‏فإنه أذكر للمعلى‏)‏ وفي بعض النسخ للمالي‏.‏ قال في المجمع‏:‏ هو فاعل من ملا يملي ولم يجيء في اللغة وإنما فيها ممل ومملئ وفيه أذكر للمعلي وروى المعلي والمراد به الكاتب مجازاً يريد وضع القلم على الأذن أسرع تذكراً فيما يريد الكاتب إنشاءه من العبارات لأنه يقتضي التأني وعدم العجلة، وكون القلم في اليد يحمل على الكتب بأدنى تفكر فلا يحسن عبارته وفي وضعه على الأرض صورة الفراغ عن الكتابة فتقاعد النفس عن التأمل كذا قيل انتهى‏.‏ وقال القاري‏:‏ معناه أن وضع القلم على الأذن أقرب تذكراً لموضعه وأيسر محلاً لتتاوله، بخلاف ما إذا وضعه في محل آخر فإنه ربما يتعسر عليه حصوله بسرعة من غير مشقة انتهى‏.‏ ووقع في المشكاة‏:‏ فإنه أذكر للمآل‏.‏ قال القاري‏:‏ أي لعاقبة الأمر والمعنى أنه أسرع تذكيراً فيما يراد من إنشاء العبارة في المقصود، ثم قال لعل لفظ المملي هو الصحيح في الحديث وأن لفظ للمآل مصحف عن هذا المقال‏.‏ ويؤيده رواية ابن عاكر عن أنس بلفظ أذكر لك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وهو إسناد ضعيف‏)‏ قال القاري لكن يعضده أن ابن عاكر روى عن أنس مرفوعاً ولفظه‏:‏ إذا كتبت فضع قلمك على أذنك فإنه أذكر لك، وقال السيوطي في تعقباته على موضوعات ابن الجوزي‏:‏ حديث زيد بن ثابت‏:‏ ضع القلم على أذنك الحديث‏.‏ فيه عنبسة متروك عن محمد بن زاذان لا يكتب حديثه‏.‏ قال الحديث أخرجه الترمذي من هذا الوجه وله شاهد من حديث أنس أخرجه الديلمي انتهى‏.‏